{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِي ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)}قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} خص عشيرته الأقربين بالإنذار، لتنحسم أطماع سائر عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك. وعشيرته الأقربون قريش.وقيل: بنو عبد مناف. ووقع في صحيح مسلم: «وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين». وظاهر هذا أنه كان قرآنا يتلى وأنه نسخ، إذ لم يثبت نقله في المصحف ولا تواتر. ويلزم على ثبوته إشكال، وهو أنه كان يلزم عليه ألا ينذر إلا من آمن من عشيرته، فإن المؤمنين هم الذين يوصفون بالإخلاص في دين الإسلام وفي حب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا المشركون، لأنهم ليسوا على شيء من ذلك، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عشيرته كلهم مؤمنهم وكافرهم، وأنذر جميعهم ومن معهم ومن يأتي بعدهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يثبت ذلك نقلا ولا معنى.وروى مسلم من حديث أبى هريرة قال: لما نزلت هذه الآية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال: «يا بنى كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى مره بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمه أنقذي نفسك من النار فإنى لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سابلها ببلالها».الثانية: في هذا الحديث والآية دليل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب، ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته، لقوله: «إن لكم رحما سابلها ببلالها» وقوله عز وجل: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الآية، على ما يأتي بيانه هناك قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} تقدم في سورة الحجر وسبحان يقال: خفض جناحه إذا لان. {فَإِنْ عَصَوْكَ} أي خالفوا أمرك. {فَقُلْ إِنِّي بَرِي ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} أي برئ من معصيتكم إياي، لان عصيانهم إياه عصيان لله عز وجل، لأنه عليه السلام لا يأمر إلا بما يرضاه، ومن تبرأ منه فقد تبرأ الله منه. قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} أي فوض أمرك إليه فإنه العزيز الذي لا يغالب، الرحيم الذي لا يخذل أولياءه. وقرأ العامة: {وَتَوَكَّلْ} بالواو وكذلك هو في مصاحفهم. وقرأ نافع وابن عامر: {فتوكل} بالفاء وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام. {الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ}أي حين تقوم إلى الصلاة في قول أكثر المفسرين: ابن عباس وغيره.وقال مجاهد: يعني حين تقوم حيثما كنت. {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} قال مجاهد وقتادة: في المصلين.وقال ابن عباس: أي في أصلاب الآباء، آدم ونوح وإبراهيم حتى أخرجه نبيا.وقال عكرمة: يراك قائما وراكعا وساجدا، وقاله ابن عباس أيضا.وقيل: المعنى، إنك ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك.وروى عن مجاهد، ذكره الماوردي والثعلبي. وكان عليه السلام يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، وذلك ثابت في الصحيح وفي تأويل الآية بعيد. {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} تقدم.